04/12/2021

 تُقتل وتُسلخ ويُدمّر بيضها للتجارة والمتعة: سلاحف اليمن في خطر 

تعدّ السلاحف البحرية من أقدم الكائنات الحية وأكثرها انتشاراً، ولكن تسبّبت الممارسات البشرية المتفلتة حديثاً في خلق تهديد جدي لوجودها. وفق اللائحة التي يصدرها "الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة"، أصبحت ثلاثة أنواع من السلاحف البحرية من بين سبعة في العالم مهددة بالانقراض. ولم تسلم سلاحف اليمن بدورها من هذه الأخطار، لا سيما بعد الحرب التي فتحت المجال بصورة أوسع أمام الصيد الجائر، وأسهمت في تدمير البيئة الطبيعية ومحميات السلاحف.

لعنة الحرب على السلاحف

في الشمال الغربي من مدينة عدن، وتحديداً في منطقة رأس عمران الساحلية، تقع جزيرة العزيزي اليمنية التي حظيت في السنوات الماضية باهتمام متزايد نظراً لطبيعتها المميزة. 

لا تتجاوز مساحة العزيزي كيلومترين مربعين، لكن الظروف المناخية كوّنت فيها بيئة مثالية للسلاحف البحرية، فتكاثرت منها "الخضراء" النادرة، وكذا "المنقارية" (منقار الصقر) و"جلدية الظهر" التي تقطع آلاف الأميال البحرية لوضع بيضها على شواطئ الجزيرة. 

طيلة العقود الماضية، سُجّلت منطقة رأس عمران في عدن كشاطئ تعشيش مهم للسلاحف المنقارية المهددة بالانقراض عالمياً. أما ميزة العزيزي فجعلتها محط اهتمام عالمي بدأ عام 2013، لتقوم كل من "الهيئة العامة لحماية البيئة" في عدن وجمعية "علوم الحياة اليمنية" و"المنظمة الأمريكية لخدمات الأسماك والأحياء البحرية" و"جمعية رأس عمران لحماية السلاحف البحرية" بنشاطات متعددة لحمايتها. 

توقفت جميع هذه النشاطات بعد عامين عندما بدأت الحرب وساءت الأحوال حتى وصل التهديد إلى بيئة السلاحف. هكذا، ازدهر موسم صيد هذه الكائنات وبيعها أو ذبحها لاستخدام لحومها، فضلاً عن الاعتداء على أعشاشها وبيضها.

وتشير إحدى الدراسات المحلية إلى أن السلاحف جلدية الظهر لم تعد تظهر كالسابق في البحار اليمنية، ولكن سجل بعض الصيادين المحليين مشاهدتها بالقرب من ساحل رأس عمران في عدن، وفي أرخبيل سقطرى. في حين لا توجد بيانات دقيقة عن أعشاشها على الشواطئ اليمنية.

 

جرائم العقد الأخير

تُعتبر مياه خور عميرة المجاورة من أهم المناطق التي تتغذى فيها السلاحف صقرية المنقار على مدار العام، ما يستوجب حمايتها. كما تُعتبر جزيرة العزيزي في منطقة رأس عمران من أهم الشواطئ الرملية لتعشيش السلاحف البحرية. ولكن شهد العقد الأخير تزايداً مستمراً لجرائم صيد السلاحف على هذا الشاطئ، فارتفعت عمليات العبث بالبيض، وقتل صغار السلاحف وبيع لحومها للمطاعم البحرية في عدن. وفي سوق حراج الأسماك في منطقة صيرة كان يجري بيع السلاحف في وضح النهار حتى نهاية عام 2018.

 

تناقصت أعداد السلاحف بنسب عالية تخطت 80% خلال الأجيال الثلاثة الأخيرة، ويعود هذا التراجع إلى عدة عوامل أهمها خسارة السلاحف لكثير من مواطن تعشيشها بسبب الممارسات الخاطئة المذكورة آنفاً.

وفق شهود عيان من السكان القريبين للمنطقة، تتعرض السلاحف صقرية المنقار لأعمال قتل وذبح، إذ يعمد الصيادون إلى انتظارها طيلة ساعات الليل حتى تصعد لوضع بيضها فيعترضون خط سيرها بقتلها وسلخها وأخذ لحومها للمتاجرة بها. بعد ذلك، يحفرون في الأرض لدفنها وطمس بقاياها.

ووصلت بعض التعديات حد نبش حفر البيض الذي تضعه السلاحف واستخراجه منها كما يتضح من بقايا قشور البيض التي تظهر في الرمال أحياناً.

 

إلى تلك الممارسات، تُضاف عوامل تهديد أخرى للمحيط الطبيعي للسلاحف، منها الضوضاء، والأنوار الساطعة في المنطقة، ورحلات الزوار من السكان، وتعرض الشاطئ الذي كان مثالياً لتعشيش السلاحف لعملية تلوث واسعة جراء رمي القمامة من علب وبقايا بلاستيكية وأكياس. حالت جميع هذه الظروف المعاكسة دون وضع السلاحف لبيضها على الشاطئ. 

 

أولويات العمل لحماية الجزيرة

عند التواصل مع مدير المحميات والموارد الطبيعية في "الهيئة العامة لحماية البيئة" في عدن، جميل عبده سعيد القدسي، بدأ بالتذكير بأهمية الموقع الجغرافي لجزيرة العزيزي باعتبارها منطقة تلاقي السلاحف المهاجرة ومكاناً مناسباً لتعشيشها.

"السلاحف التي تأوي إلى العزيزي هي من الأنواع المتنقلة؛ فهي تسبح لمسافات طويلة من أماكن تغذيتها إلى الشواطئ التي تعشش فيها لوضع البيض، وكشفت الأبحاث والمسوحات المتعلقة بمناطق تعشيش السلاحف مؤخراً في جيبوتي عن خط هجرة يمتد إلى سريلانكا". يستند القدسي إلى هذا الواقع ليؤكد على أن "نجاح جهود المحافظة على السلاحف يتطلب تعاوناً دولياً بين الدول وبين المناطق وبين الهيئات البيئية". 

بحسب القدسي، ثمة ثمانية أنواع من السلاحف (البرية والبحرية) في العالم منها خمسة أنواع تعيش في البحر الأحمر وخليج عدن، هي السلحفاة الخضراء، والسلحفاة صقرية المنقار، والسلحفاة كبيرة الرأس، والسلحفاة الزيتونية والسلحفاة الجلدية. 

أهمية السلاحف وحساسية ما تواجهه جعلت عدداً من الجهات البيئية الرسمية المختصة تعقد اتفاقيات ومعاهدات دولية وإقليمية وتُصدر قوانين محلية عديدة لحماية الأحياء البحرية والبرية، لكن المشكلة لا تكمن في النص بل في التطبيق على قول المقدسي، فالنص لا يزال "غير فاعل بالصورة المطلوبة".

 

 

سلاحف عديدة كانت تعشش في المنطقة لم يعد المتخصصون يشاهدونها كما السابق، والقوانين المحلية التي صدرت قبل الحرب في اليمن لم تشمل جزيرة العزيزي كمحمية طبيعية للسلاحف كما درج اعتبارها. لكن مؤخراً نُفذت دراسات بيئية لصالح وزارة المياه والبيئة وجرى متابعتها مع رئيس الوزراء بغية إعلان الجزيرة محمية طبيعية بشكل رسمي، إضافة إلى إعلان منطقة خور عميرة كمنطقة لتغذية السلاحف البحرية والأنواع الأخرى المهددة بالانقراض.

يُذكر هنا أن السلاحف ترتبط بسلسلة غذاء طويلة، ما يقتضي كذلك حماية أنواع أخرى من الأحياء البحرية الضرورية لتكاثر هذه السلاحف، كالأعشاب البحرية والشعب المرجانية. 

في هذا السياق، يقول المدير التنفيذي لمؤسسة "استدامة لصون الطبيعة"، وليد محمد، إن "اختصاصيين من المؤسسة، بمشاركة الهيئة العامة لحماية البيئة في عدن وبالتعاون والتنسيق مع المجتمع المحلي والجهات المهتمة بالبيئة وذات العلاقة، باشروا العمل بإجراء الدراسات التمهيدية المتعلقة بهذه المهمة".
وتشمل الدراسات التمهيدية المطلوبة دراسة التنوع الحيوي البحري والبري والوضع الجيولوجي والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لتلك المناطق، وهي دراسات مطلوبة في العادة تمهيداً لإعلان المحميات الطبيعية.
لكن ما أهمية إعلان منطقة ما محمية طبيعية؟  يجيب محمد بأن ذلك يوفر لها الغطاء القانوني والإداري الذي سيمكن من إدارتها وفق خطط تضمن الحفاظ عليها بشكل أفضل ويعزز من دور الحماية لمواقع تعشيش السلاحف ويوفر الأجواء المناسبة لتكاثرها.

إضافة لذلك، يشير محمد إلى أهمية انضمام اليمن للاتفاقية الدولية لحماية التنوع الحيوي و"اتفاقيةالإتجار الدولي بأنواع الحيوانات والنباتات البرية المعرضة للانقراض (Convention on International Trade of Endangered Species (CITES))"، وهو ما يتطلب من الدولة اتخاذ التدابير لحماية الأنواع الحيوية المهددة بخطر الانقراض، ومنها السلاحف البحرية الموضوعة على اللوائح الحمراء للاتحاد الدولي لصون الطبيعة.

أما لجهة دور "هيئة البيئة" في حماية السلاحف، فهي أعدّت دراسات حول المنطقة منذ عام ونصف، لكن الإجراءات القانونية لحماية السلاحف بقيت قاصرة عن إنجاز المهمة بسبب أوضاع البلاد والحرب وشح الإمكانيات والتدهور الذي طال مجالات عدة منها الأمني، على ما يقول القدسي.

تبحث الهيئة كذلك عن مصادر لتمويل عمليات الرصد والمراقبة خلال الموسم القادم، فضلاً عن تعزيز عمليات التوعية التي توقفت بسبب الحرب على المحافظات الجنوبية وبالذات عدن في 26 آذار/مارس 2015، وبنتيجتها تراجعت كذلك عمليات المراقبة لتقتصر على المجهود الشخصي من بعض أعضاء الجمعية في رأس عمران حيث تزايدت الحاجة لصيد السلاحف واستخدام لحومها لسد الفجوة الغذائية للسكان.

وعند الحديث عن المجهود الشخصي، يحضر دور المجتمع المحلي الذي يعتبره المعنيون مهماً في حماية السلاحف ومواقع تعشيشها، وذلك لمنع قتل السلاحف أو اصطيادها بالشباك أو بيعها أو ذبحها أو حفر مواقع تعشيشها.

يُضاف لهذا الدور القيام بعمليات الرصد والمراقبة أثناء موسم التعشيش، وإبلاغ الجهات الرسمية عن أي مخالفات تتعلق بإلحاق أي أذى تجاه السلاحف البحرية.

سلحفاة خارج الطبق 

يُفتح المجال حالياً في جزيرة العزيزي لكل المعتدين على السلاحف وبيضها، من هنا يدعو المختصون إلى التحرك سريعاً لتكثيف إجراءات الحماية، والتي يُضاف إليها تنفيذ برنامج رصد ليلي مع مهمة الحراسة من أعضاء جمعية "رأس عمران لحماية السلاحف" ومنع صيادي السلاحف من الدخول للجزيرة.

يتحدث المختصون كذلك عن ضرورة إغلاق الجزيرة أمام أنشطة الصيد خلال فترات التعشيش والتكاثر، وأن يكون ذلك تحت إشراف الجمعية، خاصة أن أبناء المنطقة لا يعتبرونها من ضمن ثروات البحر التي يعتمدون عليها.

ويبقى الأهم، بالنسبة لهم ولكل مهتم بالثروات الطبيعية ومدرك لأهميتها، الإسراع بإجراءات إعلان الجزيرة محمية طبيعية كي تتم إدارتها وفق خطة خاصة بها، تأخذ بالاعتبار دور السلحفاة في النظام البيئي وتوازنه، وتحميها من الصيد العشوائي ومن أولئك الذين لا تعنيهم سوى رؤيتها داخل شبكة أو طبق. 

 

* أُنجزت هذه المادة ضمن إطار برنامج تدريب ضم صحافيين من مؤسسات إعلامية يمنية من تنظيم "أوان" وبدعم من "منظمة دعم الإعلام الدولي (IMS)".